الخطبة الثانية
لقد عاش عمر بين المسلمين، وكان لسان حاله أعظمَ واعظ وأفصحَ معلّم، وكان وعظه بمقاله غايةً في البيان، وبعد أن يصدر المقال بعد أن صدّقته الفِعال فما زال عمر مرضيّا محمود الطريقة حتى كان آخر عمره، فكأنما استشفّ عمر قربَ نهايته، فخطب بالناس آخر خطبةٍ خطبها بكلمات نورانية كأنما تخرج من مشكاة النبوة، خطب بالناس فقال: "أيها الناس، إنكم لم تخلَقوا عبثًا، ولم تترَكوا سدى، وإنه لا يأمن غدًا إلا من حذر الله وخافه وباع نافدا بباق وقليلا بكثير وخوفا بأمان. إنكم تشيّعون في كل يومٍ غاديا ورائحا إلى الله قد قضى أجله، فتضعونه في بطن صدعٍ من الأرض غير موسّد ولا ممهّد، قد فارق الأحباب وباشرَ التراب وواجه الحساب، فاتقوا الله وموافاته وحلول الموت بكم. أما والله إني لأقول هذا وما أعلم عند أحدٍ من الذنوب أكثر مما عندي"، ثم خنقته عبرته فأخذ طرفَ ردائه فوضعه على وجهه فبكى وأجهش بالبكاء، وبكى من عنده، ثم نزل من المنبر فكانت آخر خطبة خطبها.
حتى إذا نزل به الموت الذي طالما خافه، طالما أفزعه، نزل به الموت بعد طول استعدادٍ له، فأتى إليه مسلمة بن عبد الملك ابن عمّه، قال: يا أمير المؤمنين، إنه قد نزل بك ما أرى، وإنك قد تركتَ صِبية صغارا لا مال لهم، فأوصِ بهم إليّ أو اقسم لهم من هذا المال، فقال: ادعوا لي بنيّ، فدعوا إليه بنيه وكانوا بضعة عشر صبيا، فأتى بهم إليه كأنهم أفراخ، فنظر إليهم، نظر بحنان الوالدِ بعطفِ الأبوّة، نظر لضعفِ الطفولة وبراءةِ أعينهم فقال: أي بنيّ، إن أباكم كان بين أمرَين: إما أن يغنيَكم ويدخل النار، أو يفقركم ويدخلَ الجنة، وإن أباكم قد اختار أن يفقِركم ويدخلَ الجنة. إن وليّي عليكم الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين، اصرفوهم عنّي، فانصرفوا، فجعل عمر يبتهل إلى الله في دعاءٍ خاشع يقول: رباه، أنا الذي أمرتني فقصّرت، ونهيتني فعصَيت، ولكن أفضل ما أعدّ: لا إله إلا الله، ثم قال لمن حوله: اخرجوا عني، فخرجوا، فلهج بالقراءة، فكانوا يسمعونه من داخل غرفته وهو يقرأ: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. وأسلم عمر الروح فأغمضت عيناه، أغمضت عينان طالما بكتا من خشية الله، وسكت فم طالما تلجلج بذكر الله، واستراحت يدان طالما قامت بأمرِ الله، وودّع عمر الأمّة الإسلامية، ودّع عمر الأمة والجياعُ قد شبعوا والخائفون قد أمِنوا والمستضعفون قد نصِروا، فارق الأمة عمر بعد أن وجد فيه اليتامى أبا والأرامل كافلا والتائهون دليلا والمظلومون نصيرا، مات عمر بعدما وجدت فيه أمة الإسلام عمر بن الخطاب، بعد أن لمست في عهده الأمن والطمأنينة والروحانية والسكينة والعدل والأمان والاطمئنان والإيمان، مات عمر وقد حقّق ذلك كلَّه، ليس في عشرين سنه، ولا في عشر سنين، ولكن سنتان وخمسة أشهر وبضعة أيام، وهذا يدلّ على أنّ الرجال لا تقاس بأعمارها ولكن بهِمَمِها وأعمالها. فسلام على عمرَ في الصالحين، وسلام على عمر في العالمين، هذه سيرة عمر، فإن كانت أعجبَتك فاقتد بها تكن بعضَ عمر.
لقد عاش عمر بين المسلمين، وكان لسان حاله أعظمَ واعظ وأفصحَ معلّم، وكان وعظه بمقاله غايةً في البيان، وبعد أن يصدر المقال بعد أن صدّقته الفِعال فما زال عمر مرضيّا محمود الطريقة حتى كان آخر عمره، فكأنما استشفّ عمر قربَ نهايته، فخطب بالناس آخر خطبةٍ خطبها بكلمات نورانية كأنما تخرج من مشكاة النبوة، خطب بالناس فقال: "أيها الناس، إنكم لم تخلَقوا عبثًا، ولم تترَكوا سدى، وإنه لا يأمن غدًا إلا من حذر الله وخافه وباع نافدا بباق وقليلا بكثير وخوفا بأمان. إنكم تشيّعون في كل يومٍ غاديا ورائحا إلى الله قد قضى أجله، فتضعونه في بطن صدعٍ من الأرض غير موسّد ولا ممهّد، قد فارق الأحباب وباشرَ التراب وواجه الحساب، فاتقوا الله وموافاته وحلول الموت بكم. أما والله إني لأقول هذا وما أعلم عند أحدٍ من الذنوب أكثر مما عندي"، ثم خنقته عبرته فأخذ طرفَ ردائه فوضعه على وجهه فبكى وأجهش بالبكاء، وبكى من عنده، ثم نزل من المنبر فكانت آخر خطبة خطبها.
حتى إذا نزل به الموت الذي طالما خافه، طالما أفزعه، نزل به الموت بعد طول استعدادٍ له، فأتى إليه مسلمة بن عبد الملك ابن عمّه، قال: يا أمير المؤمنين، إنه قد نزل بك ما أرى، وإنك قد تركتَ صِبية صغارا لا مال لهم، فأوصِ بهم إليّ أو اقسم لهم من هذا المال، فقال: ادعوا لي بنيّ، فدعوا إليه بنيه وكانوا بضعة عشر صبيا، فأتى بهم إليه كأنهم أفراخ، فنظر إليهم، نظر بحنان الوالدِ بعطفِ الأبوّة، نظر لضعفِ الطفولة وبراءةِ أعينهم فقال: أي بنيّ، إن أباكم كان بين أمرَين: إما أن يغنيَكم ويدخل النار، أو يفقركم ويدخلَ الجنة، وإن أباكم قد اختار أن يفقِركم ويدخلَ الجنة. إن وليّي عليكم الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين، اصرفوهم عنّي، فانصرفوا، فجعل عمر يبتهل إلى الله في دعاءٍ خاشع يقول: رباه، أنا الذي أمرتني فقصّرت، ونهيتني فعصَيت، ولكن أفضل ما أعدّ: لا إله إلا الله، ثم قال لمن حوله: اخرجوا عني، فخرجوا، فلهج بالقراءة، فكانوا يسمعونه من داخل غرفته وهو يقرأ: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. وأسلم عمر الروح فأغمضت عيناه، أغمضت عينان طالما بكتا من خشية الله، وسكت فم طالما تلجلج بذكر الله، واستراحت يدان طالما قامت بأمرِ الله، وودّع عمر الأمّة الإسلامية، ودّع عمر الأمة والجياعُ قد شبعوا والخائفون قد أمِنوا والمستضعفون قد نصِروا، فارق الأمة عمر بعد أن وجد فيه اليتامى أبا والأرامل كافلا والتائهون دليلا والمظلومون نصيرا، مات عمر بعدما وجدت فيه أمة الإسلام عمر بن الخطاب، بعد أن لمست في عهده الأمن والطمأنينة والروحانية والسكينة والعدل والأمان والاطمئنان والإيمان، مات عمر وقد حقّق ذلك كلَّه، ليس في عشرين سنه، ولا في عشر سنين، ولكن سنتان وخمسة أشهر وبضعة أيام، وهذا يدلّ على أنّ الرجال لا تقاس بأعمارها ولكن بهِمَمِها وأعمالها. فسلام على عمرَ في الصالحين، وسلام على عمر في العالمين، هذه سيرة عمر، فإن كانت أعجبَتك فاقتد بها تكن بعضَ عمر.
السبت مايو 07, 2016 12:11 pm من طرف علواني أحمد
» القصر المهجور
السبت مايو 07, 2016 12:09 pm من طرف علواني أحمد
» احتفلنا فهل يحتفلون
الأربعاء سبتمبر 02, 2015 12:57 am من طرف علواني أحمد
» سؤال في النحو
الجمعة أبريل 04, 2014 1:34 pm من طرف المشرف
» مجموعة من المصاحف الكاملة لعدد من القراء بروابط تحميل مباشرة
الثلاثاء نوفمبر 27, 2012 6:26 pm من طرف aboomar
» انصر نبيك يامسلم
الإثنين نوفمبر 19, 2012 2:13 pm من طرف أهل تارمونت
» برنامج حجب المواقع الاباحية مع الشرح (منقول)
الجمعة أغسطس 10, 2012 1:47 am من طرف allal.ali6
» الدين النصيحة
السبت يوليو 28, 2012 9:32 pm من طرف aboomar
» البصيرة في حال المدعوين وكيفية دعوتهم
السبت يوليو 28, 2012 9:27 pm من طرف aboomar